مع نهاية العام الماضي غادر رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لبنان إلى الخليج العربي لتمضية الأعياد. هكذا قيل يومها، ولكن المتابع لحركته قبل نهاية العام ومع بداية العام الجديد، يكتشف أن ما يقوم به رئيس تيار المستقبل أبعد من مجرد "رحلة عائلية".
حين حطّ في تركيا والتقى رئيسها رجب طيب أردوغان، أثار العديد من التساؤلات حول سبب الزيارة، واليوم وبحسب مصادر قياديّة في تيار "المستقبل" يمكن التأكيد على أنّها لم تكن "لاستفزاز الخليج، لأنّ هذا الأمر لا يمكن للحريري أن يقوم به"، و"لم تكن لأجل المال والأعمال، كون هذا الأمر لا يحتاج إلى لقاء مع أردوغان".
لم تكشف المصادر الأسباب الحقيقيّة للزيارة الى تركيا، مشدّدة على أن "المنطق" يجب أن يحكم التحليلات، وبالتالي فإنّه يقول بأن الزيارة إلى تركيا جاءت بتنسيق مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، للبحث مع الرئيس التركي بشأن تداعيات قمّة العلا على العلاقة التركيّة الخليجيّة، خصوصاً بظل التقارب الذي يحصل مؤخراً بين الإمارات وتركيا.
يرى كثيرون أن رئيس الحكومة المكلّف يحاول إيجاد دور له في المنطقة، والحصول على مظلّة عربية وإقليمية تمنحه نقاط قوّة في إدارة الملفّ اللبناني، وهذا ما جعله يغادر مجددا إلى الإمارات العربية المتحدة. وهنا تشير المصادر في "المستقبل" عبر "النشرة" إلى أنّه ليس بوارد التفسير ولا التبرير لأحد حول زياراته الخارجية وما تحمله من عناوين، مشدّدة على أن البعض من شدّة حقده عليه يحاول الترويج لأخبار منافية للمنطق، كأن يقولوا بأنّه يحاول خلق مشهد تمثيلي كاذب حول علاقاته الجيّدة مع الدول العربيّة والجارة، وكأن الرؤساء والمسؤولين العرب الذين يستقبلونه يشاركونه في هذه التمثيلية، معتبرة أن هؤلاء وصلوا بخيالهم إلى ما يتخطى المنطق.
تؤكد مصادر "المستقبل" أن الحريري لا يحتاج إلى "السفر" للحديث عن علاقاته بالدول العربية، وهو يحاول اليوم عبر زياراته الخارجية لعب دوره الوطني لإنقاذ لبنان، فالهمّ اللبناني بالنسبة إليه يحتلّ الأولويّة، وبما أنّ الأطراف اللبنانية تريد تمرير الوقت لحين وصول الإدارة الاميركية الجديدة واكتشاف اتّجاه رياح السياسة في المنطقة، يحاول الحريري الإستفادة من هذا الوقت الضائع.
حكومياً تُشير مصادر "المستقبل" إلى أنّ الأمور توقّفت عند الحدّ الذي بلغته قبل نهاية العام، وكان الحريري بانتظار رد رئيس الجمهورية ميشال عون على طرحه الاخير، ولكن لم يصل سوى عبر "التسريب" الكلامي للرئيس عون من بعبدا، الأمر الذي يراه تيار المستقبل مسيئا للرئاسة الأولى قبل غيرها، معتبرة أن استكمال العمل الحكومي يتطلب أولاً تخطّي تداعيات "التسريب" وهذا ما تعلمه جيداً رئاسة الجمهورية.
وتشير المصادر إلى أن الحريري طيلة الفترة الماضية لم يرفض لقاء عون، وهو لن يرفض اللقاء في المستقبل لأنه يعلم بأن تشكيل الحكومة يتطلب التعاون، ولكن هذا لا يعني أن الاجتماع سيحصل بحال لم يكن هناك من معطيات جديدة حول الحكومة، إذ لم يعد المطلوب زيادة عدد اللقاءات، بقدر ما أصبح المطلوب الوصول إلى خواتيم سعيدة.
إن كل المعطيات تُشير إلى أن الملف الحكومي ليس أولويّة بالمرحلة الراهنة، فهل يتمكن الحريري من خلق جوّ عربي مؤات لتشكيل الحكومة؟.